اميركا هي، بالتعريف والتكوين والتجربة، دولة معادية، كارهة للعرب والمسلمين جميعا، من دون استثناء للحلفاء أو الأصدقاء، لاسيما الأقرب منهم الى تلك الولايات ال50 التي زادتها الانتخابات الأخيرة عداءً وحقداً..ودفعتها نحو المزيد من الاحتضان لليهود والانخراط مع دولتهم الإسرائيلية بمحتواها ومشروعها الأكثر فاشية.
لم يتأخر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب، في ترجمة تلك الهوية السياسية الاميركية الراسخة، وفي تحديثها على نحو يشي بأن نيته وخطته الفعلية هي تحويل السنوات الأربع المقبلة من حكمه، الى جحيم عربي وإسلامي دائم، إين منه ما جرى في أعقاب هجمات أيلول 2001، عندما استخدمت اميركا القوة العسكرية لمعاقبة العرب والمسلمين وتأديبهم، وجرّهم الى بيوت الطاعة المطلقة.
في التاريخ الأميركي الحديث، يصعب العثور على رئيس سابق للولايات المتحدة، قدم لإسرائيل ما قدمه ترامب حتى الآن في ولايته الأولى بين العامين 2016-2020، وهو يفوق التصور، او ما يعتزم تقديمه في ولايته الجديدة، التي سيقودها مسؤولون ينتمون الى تيار أميركي يتشكل الآن من رحم حركة الاستيطان اليهودي في الأراضي الفلسطينية، ينكرون سلفاً وجود الشعب الفلسطيني وينفون صلته بأرضه، ويعتبرون صراعهم مع الإسرائيليين من أجل الحرية والاستقلال، نزاعاً عقارياً يمكن، بل يجب تسويته بالاستثمار في مشاريع كازينوهات ومنتجعات ومجمعات سكنية تقام على شواطئ غزة او تلال الضفة الغربية التي يجري مسح معالمها السكانية حاليا.. تمهيداً لسكينة فلسطينية مديدة، تطوي صفحة القضية مرة والى الابد.
لم يبذل ترامب أي جهد لتمويه تلك الخطة، ولو من باب الاحترام للعرب والمسلمين الاميركيين الذين انتخبوه، بلا وعي ولا تقدير، او من باب العرفان للمسؤولين العرب والمسلمين الذين موّلوا حملته الانتخابية، بلا حكمة ولا حنكة.. بل ربما فقط بدافع كف الشر والأذى الذي يمكن ان يلحقه ذلك الرئيس الآتي على قمة موجة أميركية عاتية من العداء والاحتقار، هدفها الابتزاز السياسي والمالي المباشر والصريح، الذي يمكن ان يسلب دول الخليج العربية ثرواتها ويحولها الى دول غارقة بالديون للمصارف الأميركية.
ولعل الخوف من سلوك ذلك الرئيس الأميركي، الذي لا تحمد عقباه، هو ما حفز انعقاد القمة العربية الإسلامية الاثنين الماضي في الرياض، التي عبرت فيها السعودية عن موقف استثنائي من "الإبادة الجماعية" التي تنفذها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني، ومن العدوان الإسرائيلي على الشعب اللبناني، وعلى دولة ايران "الشقيقة".. وعن توجه سعودي جدي وجديد، نحو مناهضة التطرف (والابتزاز) الذي تلوح بوادره في السياسة الأميركية في العالمين العربي والإسلامي.
بعد أن أعلن ترامب أسماء فريقه الحكومي الجديد، لم يعد هناك شكٌ في أن دول العالمين العربي والإسلامي في خطر، لا تستثنى منه بلدان مثل تركيا، التي بنت حساباتها ومصالحها على الخصام مع إدارة الرئيس بايدن السابقة، لكنها ستكتشف، مثل أغلب العرب والمسلمين، أن تلك الإدارة هي أكثر رحمة، نسبياً، من الإدارة المقبلة، التي يمكن ان تتفاهم مع روسيا على التضحية بأوكرانيا وتركيا معا.
لا جدال بعد اليوم في أن السياسة الأميركية باتت تصنع في إسرائيل، وتصاغ من قبل اليمين الإسرائيلي الأكثر فاشية وهمجية. وهي ظاهرة جديدة حتى في تاريخ العلاقات بين البلدين الحليفين، الذي كان يحدد هوامش دقيقة للتحالف لا تمس السيادة ولا المصلحة ولا حتى الوظيفة. فقط في مخيلة اليسار العربي وخطابه كانت إسرائيل هي الولاية الأميركية ال51. اليوم، وأكثر من أي يوم مضى، تقترب هذه الفرضية من الحقيقة، عندما سيثبت أن رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو هو بالفعل أحد أقوى زعماء أميركا اليوم، ولن يضطر أعضاء الكونغرس الأميركي الى تحيته واقفين، لأنهم سيكونوا له ساجدين.
بيروت في 14 /11/2024
0 تعليقات