لسؤ حظ لبنان وفلسطين طبعاً، لم ترد إيران، على الفور، على الضربة الإسرائيلية الأخيرة على أراضيها، وهي لن ترد على الأرجح في المستقبل المنظور..وستظل مظاهر النزاع الإيراني الإسرائيلي تخضع لضوابط عجيبة ليس لها صلة بموازين القوى التقليدية، ولا بالمسافات الجغرافية، ولا حتى الاعتبارات السياسية.
ولن يكون من الصعب تلمس الشعور اللبناني والفلسطيني بخيبة الامل، المستمدة من خيال زائف يفترض أن إيران جبهة أمامية متقدمة من جبهات الصراع مع العدو الإسرائيلية، وليست جبهة إسناد خلفية بعيدة، تبني حساباتها، على ما يتعدى وقائع الميدان في قطاع غزة وجنوب لبنان.. وهو ما يفقد طهران سلفاً صفة "القيادة والسيطرة" على المحور إياه، بساحاته الموحدة، ويكاد يكلف المقاتل اللبناني والفلسطيني القيام بمهمة جرّ إيران بين الحين والآخر نحو الانخراط المباشر بالصراع، بدلا من الاكتفاء بدور الارشاد والتوجيه من مسافة تزيد على ألفي كيلومتر.
والأدلة متعددة على ان المقاومة الفلسطينية واللبنانية سبق ان ورطتا طهران في معارك لم تكن في حسابها ولا في إختيارها، ولا في التوقيت المناسب لها.. ولم تكن جاهزة بالتالي لتحمل أعبائها وتكاليفها. وهو ما أدى بين الحين والأخر الى خلل في العلاقة بين "المرجعية الإيرانية" وبين القيادات العربية الحليفة، والتي كانت توصف من قبل بعض المسؤولين الإيرانيين بالتهور، والتفلت من الالتزام بالإرشاد الايراني.
المناوشات الإسرائيلية الإيرانية الحالية، يمكن ان تدرج في هذا السياق، وتترك أثراً سلبياً على المقاومين العرب المتحالفين مع طهران، الذين كانوا يتوقعون على الأقل أن تخدم الصواريخ العابرة للحدود بين إسرائيل وإيران، على الأقل في تخفيف أو إبطاء حرب الإبادة التي يشنها العدو على الشعبين الفلسطيني واللبناني. حصل العكس تماماً في الساعات التي أعقبت سقوط الصواريخ الإسرائيلية داخل إيران. ما خلف الانطباع بأن العاصمة الإيرانية صارت بالفعل بمنأى عن "وحدة الساحات"، (التي لم تكن أصلاً جزءاً فعلياً منها)، وبات حلفاؤها العرب وكأنهم يخوضون معركتهم لوحدهم.
ويبدو أن الضربة الإسرائيلية رسمت ما يشبه "الحدود النهائية" بين طهران وحلفائها، بعدما كشفت حدود القوة الإيرانية، التي استخدمت في حالات استثنائية نادرة، عندما تجاوزت "غطرسة إسرائيل واستكبارها" كل المعايير والمواثيق والأعراف. وهو ما لن يتكرر على الأرجح، لأن العدو الإسرائيلي الذي سعى بشكل دؤوب لاستدراج أميركا الى حرب مباشرة مع إيران، تعرض هو الآخر لتحذير أميركي صريح من مغبة التدخل في الخيارات الاستراتيجية الأميركية..
للأسف الشديد، على فلسطين ولبنان، لن تنشب حرب إسرائيلية إيرانية مباشرة. هذا ما اثبتته الصواريخ الأخيرة التي بدا أنها تقفل حسابا سابقاً أكثر مما كانت تفتح حساباً إضافياً. وفي اعتقاد الخبراء العسكريين أن تلك الحرب لم تكن واردة أصلا إلا في مخيلة ضيقة. لا الجغرافيا تسمح بمثل هذه الحرب، ولا القوة التي تملكها إيران وإسرائيل معا، تتيح لهما خوضها بالادوات والخطط العسكرية التقليدية. الضربات الصاروخية المحدودة والمتبادلة هي اقصى ما يمكن توقع مشاهدته على شاشات "الجزيرة" و"العربية"..
يقال ان الحساب الذي أقفل بالأمس ، بتأنيب إيران وإسرائيل، وضمان انضباطهما معاً بقواعد السياسة الأميركية، هو جزء من إدارة معركة الانتخابات الرئاسية المقررة بعد أيام قليلة. لكن وجاهة هذا القول تحتاج الى الكثير من الاثبات، خاصة وان تلك المعركة حسمت كما يبدو، ولن يكون الرئيس المرجح، دونالد ترامب، مطالباً باظهار جنونه وجنوحه قبل منتصف شهر كانون الثاني المقبل..حيث يمكن ان يحرر إسرائيل من بعض الضوابط الأميركية، ويدفع إيران الى الاشراف على تفكيك تحالفاتها العربية.
الإدارة الأميركية المباشرة للحرائق الهائلة التي أشعلتها إسرائيل، في محيطها، لا تقدم أي دليل حتى الآن على أن الاميركيين هم في صدد إخماد النيران.. سوى على جبهة واحدة فقط.
بيروت في 27/ 10/2024
0 تعليقات